الأخبار
المختارات الأدبية... كيف حاورت نصوص التراث حياتنا في الحاضر؟
يشكل كتاب الأستاذة وداد القاضي "مختارات من النثر العربي" كشفًا معرفيًّا على حقلٍ شاسعٍ من النصوص، ابتداءً بالفارابي ومقامات بديع الزمان وانتهاءً بطه حسين وميخائيل نعيمة. ينعكس ذلك الكشفُ المعرفيّ السهل والمبسَّط على إغناء القارئ من جهة، وتضييعه لاحقاً بين سياقات النصوص وشخوص مؤلِّفيها من جهة ثانية. وكما أشار عبد الفتاح كيليطو في "الكتابة والتناسخ" فإن العلاقة إشكالية بين الكاتب والمتلقّي من باب عدم فهم المتلقّي لدلالة نسبة نصٍّ ما لكاتب محدَّد. تختصرُ كتبُ المختارات الأدبيّة الكثيرَ في القليل وتكتنزُ الكُلَّ في الاختيار. وقد بدأتْ مؤخَّرًا "سلسلة المكتبة العربيّة للناشئة" بالصدور عن مكتبة جامعة نيويورك أبو ظبي في الإمارات العربيّة المتّحدة. صدر عن هذه السلسلة ثلاثة كتب؛ "حياكة الكلام"، "لِـمَ اشتدَّ عشقُ الإنسان لهذا العالَم؟"، "ما لذَّة العشق إلّا للمجانين". ضمَّ كلُّ كتاب منها مجموعة نصوص مختارة من واحد من كتب التراث العربيّ. اختار نصوص الكتابَين الأوّل والثاني الأستاذ بلال الأرفه لي والأستاذة إيناس خنسه، ونصوص الكتاب الثالث الأستاذان بلال الأرفه لي وموريس بومراتنز. وحرَّرها الأستاذ فيليب كينيدي. ترافقت النصوص برسوماتٍ كانت مشهدية (مع حكايا التنوخيّ: تصوير جنى طرابلسي، وعقلاء النيسابوري: تصوير ورد الخلف)، وكانت تجريدية (مع أسئلة التوحيديّ وردود مسكويه: تصوير ورد الخلف أيضًا). أتت النصوص كما هي في أصلها دون إثقالها بالهوامش والشروح. هي أقربُ لما تكون عليه النصوص في الكتب المدرسية وقصص الأطفال بما فيها من رسوم وألوان (جاءت رسوم الكتاب الثالث ملوَّنة بينما كانت الرسوم في الكتابين الأول والثاني باللونين الأبيض والأسود). تضيء موضوعات هذه الكتب وتنوُّعُ نصوصها جوانبَ من الأدب العربيّ الكلاسيكيّ وتحاول تجاوزه لوضع النصوص في سياق الآداب العالميّة. أمّا القائمون على العمل فهم متخصِّصون بكتب المختارات الأدبيّة الكلاسيكيّة (النثريّة والشعريّة)؛ ومن ذلك عملُ الأرفه لي على كتاب "يتيمة الدهر" للثعالبيّ، وعمل خنسه على كتاب "العقد الفريد" لابن عبد ربّه الأندلسيّ.
التراث من منظور حداثي جديد... حوار خاص مع الفنان والمصمم اللبناني إياد نجا
يجسد الفنان والمصمم اللبناني متعدد التخصصات إياد نجا تزاوج الفن التجريبي الحداثي بالتراث. ويطمح من خلال عمله على مفاهيم ومواد مختلفة، إلى أن يصبح سفيرًا للتراث، باحثاً عن الإلهام في التفاصيل الثقافية وصخب العناصر البيئية. بعد أن حصل إياد على شهادة البكالوريوس في التصميم الجرافيكي من الجامعة اللبنانية الأمريكية في بيروت LAU عام 2000، بدأ حياته المهنية في مجال الإعلانات قبل الخوض في تجربة التصميم. وفي عام 2013، أسس إياد شركة تصميم وتطوير، كرّس عملها لتسليط الضوء على الخط العربي والتصاميم الشرقية. ويسعى إياد حاليًا للحصول على شهادة الدراسات العليا في الفن والعمارة الإسلامية.
"لم اشتدّ عشق الإنسان لهذا العالم؟" التوحيدي يسأل ومسكويه يجيب
لم اشتدّ عشق الإنسان لهذا العالم؟ لم يرغب البشر بالعلم؟ كيف يسهل الموت على من يتعذب؟ وغيرها العديد من الأسئلة يتبادلها عالمان عظيمان ويطرحها كتاب "لم اشتد عشق الإنسان لهذا العالم؟ مختارات من الهوامل والشوامل: أبو حيان التوحيدي يسأل وأبو علي مسكويه يجيب"، وهو العدد الثاني من مشروع إعادة قراءة أنواع أدبية من العصر الوسيط الإسلامي، في سلسلة من إصدار المكتبة العربية في جامعة نيويورك أبو ظبي (The Library of Arabic Literature (LAL. تتبنى مقاربة المكتبة العربيّة لإحياء التراث واستعادته بأجناسه وثيماته المتنوعة والمختلفة. ومن هنا كان الجزء الأول منها عبارة عن مختارات من كتابين للقاضي أبي علي المحسّن بن عليّ التنوخي تحت عنوان "حياكة الكلام"، في حين جاء هذا الجزء الثاني عبارة عن مختارات من مراسلات بين أبي حيّان التوحيدي وأبي علي مسكويه، وكلاهما من أبرز أعلام القرن الرابع الهجري المساهمين في ازدهار الحياة الثقافيّة والفكريّة في العالم الإسلامي في ذلك الوقت. نطل في هذا المقال على الجزء الثاني منها.
حوار تراثي مع "الهوامل والشوامل".. لمَ اشتد عشق الإنسان لهذا العالم؟
في زمن جائحة كورونا والحداثة والتكنولوجيا والاتصالات كيف يمكن أن يتفاعل القراء مع قصص كتبت قبل ألف عام؟ وكيف يمكن إحياء التراث واستعادته بأجناسه وثيماته المتنوعة والمختلفة من منظور تفاعلي؟ هذان السؤالان وغيرهما هو ما يحاول كتاب "لمَ اشتد عشق الإنسان لهذا العالم؟" الصادر حديثا عن المكتبة العربية للناشئة الإجابة عنها. ويتناول الكتاب مختارات من أسئلة الفيلسوف والأديب المتصوف البغدادي أبي حيان التوحيدي سماها "الهوامل"، ومعناها الإبل الهائمة التي ترعى، وأجوبة من المؤرخ والفيلسوف والطبيب مسكويه الذي عاش في بلاد فارس ومات فيها، وسمى أجوبته على التوحيدي "الشوامل"، وهي الحيوانات التي تضبط الإبل وتجمعها، واستعار أبو حيان كلمة "الهوامل" لأسئلته المبعثرة التى تنتظر الجواب، واستعمل مسكويه كلمة "الشوامل" في الإجابات التي أجاب بها فضبطت هوامل أبي حيان، ويمثل الحوار بين الفيلسوفين مرآة لسجالات القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي واهتماماته، ويعكس روح التفكر العقلاني الذي وسم حركته. ويقول مسكويه في بداية رسائله للتوحيدي "قرأت مسائلك التي سألتني أجوبتها في رسالتك التي بدأت بها فشكوت فيها الزمان واستبطأت بها الإخوان فوجدتك تشكو الداء القديم والمرض العقيم، فانظر إلى كثرة الباكين حولك وتأس، إنما تشكو إلى شاك وتبكي على باك، وكل أحد يلتمس من أخيه ما لا يجده أبدا عنده". وجاء في مقدمة الكتاب -الذي اختار نصوصه بلال الأرف لي وإيناس خنسة- أن الحوار مع نصوص التراث لن ينقطع، وأن تلك النصوص بكافة أجناسها كتبت لقراء عصرها، أي لذائقة غير ذائقتنا جماليا وتاريخيا، فكيف لذائقتنا المعاصرة الآن أن تتعامل مع سياقاتها وحالاتها الخاصة وقيمها، وخصوصية مرحلتها، ويحاول الكتاب الإجابة عن هذه الأسئلة وقراءة السجالات التاريخية، ويتساءل "هل تغيرت أسئلتنا واهتماماتنا أم بعض هذه الهموم القديمة لا يزال يقلقنا؟ وهل تشفينا إجابات فيلسوف القرن العاشر الميلادي ومقارباته؟
أعلام في طريق دائرة اللغة العربيّة في الجامعة الأمريكية في بيروت
في 3 كانون الأوّل عام 1866، افتتحت الكلّيّة الإنجيليّة السوريّة أبوابها للمرّة الأولى، لتغيّر بعدها الكثير في مسار تاريخ لبنان والمنطقة. بعد عدةّ عقود، وتحديدًا في 18 تشرين الثاني عام 1920، تغيّر اسمها إلى الجامعة الأميركيّة في بيروت. ولعلّ قلّةً يعرفون أنّ العربيّة كانت اللغة الأساسيّة للتدريس خلال العقد الأوّل من تأسيس الجامعة، وما يُعرف اليوم بدائرة اللغة العربيّة ولغات الشرق الأدنى وُلدت نواته مع ولادة الجامعة، وتراكمت إنجازاته الفكريّة مع تعاقب عددٍ من الأعلام النخبة في الفكر والأدب واللغة. وساهمت هذه الدائرة على مدار قرنٍ ونصف في إحياء اللغة العربيّة والنهوض بعلومها وواقعها. كان لموقع الجامعة الجغرافيّ دورٌ في استقطاب الدائرة لعددٍ من الأعلام، ويضمّ الأرشيف لائحةً يطول ذكرها بأسماء أكثر من مئتي أستاذٍ ومحاضر. هذا إلى جانب أدباء بارزين لم يرتبطوا بالدائرة بشكلٍ مباشر أمثال الروائيّ جرجي زيدان (1861-1914). فقد كان لهؤلاء مجالٌ رحبٌ من الميول والاختصاصات، وكانوا يدرّسون العربيّة إلى جانب الرياضيّات مثلًا أو الطبّ أو التاريخ أو التجارة... ولا عجب في ذلك، فالعلماء في القرنين التاسع عشر والعشرين تابعوا إرثًا فكريًّا شموليًّا يمتدّ إلى زمن الجاحظ وأبي حيّان التوحيديّ اللذين لم يجعلا العربيّة محورًا لإتقان العلوم اللغويّة فحسب بل وغيرها من العلوم المختلفة. إنّ انتقال عمليّة التدريس من اللغة العربيّة إلى الإنجليزيّة ترك تداعياتٍ عميقة الأثر على واقع اللغة العربيّة. وقد عبّر عن ذلك الباحث في التاريخ سليمان بك أبي عزّ الدين قائلًا: "إنّ هذه الجامعة وإن كانت منشأة بمال الأميركيّين فإنّها في نظر الناطقين بالعربيّة وطيدة النزعة نزيهة القصد...... وإنّ أكثر المشهورين بالعلم والعمل من متخرّجي الجامعة هم أولئك الذين تلقّوا دروسهم باللغة العربيّة أو امتازوا بإتقان هذه اللغة." ورغم تباعد الحاضر عمّا كانت عليه الأمور في الماضي، فإنّ عمل دائرة اللغة العربيّة لم يكن يومًا البكاء على الأطلال أو التحسّر على ماضٍ مجيد، وإنّما التعويل على طلّابها وأساتذتها الذين يعدون بمستقبلٍ مشرق. ولقد كان القدامى يؤرّخون للحضارة العربيّة والإسلاميّة من خلال وضع كتبٍ في التراجم والسير، فتاريخ الحضارة هو تاريخ رجالها ونسائها. وأسوةً بهم، نحتفي بتاريخ دائرة اللغة العربيّة من خلال الحديث عن أعلامها وإنجازاتهم، لكنّ الإحاطة بجميعهم أمرٌ شاقّ وما يلي ذكره هو مجرّد غيضٍ من فيض يبدأ مع تأسيس الجامعة ويتوقّف عند بداية تسعينيّات القرن الماضي.
قراءة في كتاب نحو إعادة بناء الدراسات الإسلامية
توفيق المديني الإسلام العربي لم يكن مجرد دين بالنسبة للعرب، لأن النبي محمد بذل جهداً مستمراً في اضطلاعه ببلورة نظرية لتفسير نصوص الوحي، دامجاً بذلك بين عملية الوحي بإطلاقيتها وعملية التفسير بتاريخيتها داخل عملية واحدة، تجمع بين الإلهي والإنساني في ثنائية تطابقية بين المطلق والنسبي، الكلي والجزئي، اللامتناهي والمتناهي، المفهوم والتعين. ما يميز تجربة العرب مع الإسلام ارتباطه بالضرورة بالتاريخ والسياسة.. من هنا يتبدى الإسلام على أنه دلالة الزمان والحياة، أي دين ودنيا، من خلال هذا الاتحاد بين الوحي (المعنى) والواقع التاريخي. وتجربة العرب مع الإسلام ليست أبداً تجربة أوروبا مع المسيحية ولا الهند مع البوذية، ولا نريد بأن نوحي بذلك، كما سيتبادر إلى ذهن البعض الحريص على المقارنة والمماثلة، أن المجتمع العربي لم يقم بثورة فكرية وعلمية (وهذا أمر واقع وإن كان لا يستدعي في الواقع البكاء) ولكن الأكثر من ذلك، وبشكل رئيسي، إن تاريخ هذا الدين بالنسبة للمجتمع العربي لم يكن تاريخ الدين المسيحي بالنسبة للغرب. يُعّدُّ هذا الكتاب حصيلة نقاشات المؤتمر الأكاديمي الذي عقد في الجامعة الأمريكية ببيروت في أيار (مايو) 2018، وحضره أساتذة وباحثون من الشرق والغرب في العلوم الإسلامية، ودارت خلاله نقاشات غنية تناولت بشكل رئيس أربعة موضوعات: إجراء مراجعات شاملة للتخصص خلال العقود الأربعة الماضية، ومناقشة الأوضاع الحالية للتخصص في شتى مجالاته، ودراسة إمكانيات التطوير والتغيير من خلال علائق جديدة بالدراسات التاريخية والسوسيولوجية والفلسفة، وتقييم التوجهات الجديدة في مسائل نقد النص، والقراءة الجديدة للحضارة الإسلامية، والتيارات الإسلامية المعاصرة. وكان المقصود أن تجتمع هذه النخبة الفكرية الأكاديمية، والتي تتوزع في أقسام الدراسات الإسلامية وكلّياتها بالجامعات الغربية والعربية والإسلامية، ليكون التأمل إيذانًا بالخروج من التأزم، وجُهْدًا مُقَدَّرًا في تجديد دراسات الإسلام.